” اَلْأَدْعِيَةُ مِنْ لِسَانِ نَبِيِّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ “خطبة الجمعة مسجد طوكيو

   أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ الْكِرَامُ!
إِنَّ الدُّعَاءَ هُوَ تَضَرُّعُنَا وَتَوَسُّلُنَا وَمُنَاجَاتُنَا لِلهِ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ صَمِيمِ قلوبنا، وَهُوَ إِقْرَارُنَا وَاِعْتِرَافُنَا بِأَنَّنَا ضُعَفَاءَ أَمَامَ قُدْرَتِهِ تَعَالَى الَّتِي لَا نَظِيرَ لَهَا. وَإِنَّه كذلك سَعْيُنَا مِنْ أَجْلِ الْاِلْتِجَاءِ إِلَى لُطْفِهِ وَعَفْوِهِ عَزَّ وَجَلَّ. وهُوَ كَذَلِكَ إِظْهَارُ عُبُودِيَّتِنَا لَهُ تَعَالَى وَطَلَبُ الْعَوْنِ وَالسَّنَدِ مِنْهُ عَزَّ وَجَلَّ.
وَإِنَّ مِنْ أَسْمَاءِ اللهِ تَعَالَى “الْمُجِيبُ” أَيْ “أَنَّهُ يُجِيبُ الدُّعَاءِ”. وَلَا شَكَّ أَنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ أَقْرَبُ إِلَيْنَا مِنْ أَنْفُسِنَا، هُوَ الَّذِي يَسْمَعُ وَيَعْلَمُ وَيَقْبَلُ جَمِيعَ دُعَائِنَا، مَا خَفِيَ مِنْهُ وَمَا كَانَ ظَاهِراً.

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ الْأَفَاضِلُ!
إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِي نَعْلَمُ بِمَحَبَّتِهِ وَصِدْقِهِ وَإِخْلَاصِهِ لِرَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ فِي جَمِيعِ تَصَرُّفَاتِهِ وَأَفْعَالِهِ، لَمْ يَكُنْ يُهْمِلُ الدُّعَاءَ عَلَى الْإِطْلَاقِ. فَقَدْ كَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدْعُو بِالْلَيْلِ وَالنَّهَارِ وَفِي الْجَمَاعَةِ وَفِي الْخُلْوَةِ وَعِنْدَ الْفَرَحِ وَالْخَوْفِ وَالْحُزْنِ وَعِنْدَ اِسْتِحْضَارِ الْآخِرَةِ وَفِي الْبَيْتِ وَعَلَى الْمِنْبَرِ وَفِي التَّرْحَالِ وَالسَّفَرِ، أَيْ أَنَّهُ كَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدْعُو فِي كُلِّ آنٍ وَمَكَانٍ. وَكَانَ يُسَيِّرُ حَيَاتَهُ بِجَعْلِ الدُّعَاءِ يُلَامِسُ جَمِيعَ نَوَاحِيهَا وَجَوَانِبِهَا. وَهُوَ كَذَلِكَ مَنْ عَلَّمَنَا كَيْفَ نَدْعُو وَكَيْفَ نَتَضَرَّعُ.
كَانَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُرَاعِي رِضَا اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فِي كُلِّ عَمَلٍ مِنْ أَعْمَالِهِ طِيلَةَ الْيَوْمِ، كَانَ يُسْنِدُ أَمْرَهُ لِلَّهِ وَيَعْتَمِدُ عَلَيْهِ ويَتَضَرَّعُ إِلَى ربهِ عَزَّ وَجَلَّ قَائِلاً: رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ[i]

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ الْكِرَام!
لَا بُدَّ عَلَى الْمُؤْمِنِ أَنْ لَا يَظُنَّ وَيَعْتَقِدَ أَنَّ دُعَاءَهُ لَمْ يُقْبَلْ. فَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَدِيثٍ لَهُ: “يُسْتَجَابُ لِأَحَدِكُمْ مَا لَمْ يَعْجَلْ يَقُولُ دَعَوْتُ فَلَمْ يُسْتَجَبْ لِي”[ii]
وَلِذَا فَلْنُؤْمِنْ بِأَنَّ مَا دَعَوْنَا بِهِ رَبَّنَا عَزَّ وَجَلَّ مِنْ دَعَوَاتٍ خَالِصَةٍ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ لَهَا إِجَابَةٌ. وَلْنَحْرِصْ عَلَىأَنْ لَا نَحْرِمَ أَنْفُسَنَا مِنْ الْبَرَكَةِ وَالطُّمَأْنِينَةِ وَالْأَمْنِ وَالاِسْتِقْرَارِ الَّذِي يَجْلِبُهُ الدُّعَاءُ. وَلَا نَنْسَى الدُّعَاءَ لِأُسَرِنَا وَعَوَائِلِنَا وَلِأَحْبَابِنَا وَلِإِخْوَانِنَا الْمُؤْمِنِينَ وَلِلْمَظْلُومِينَ وَالْمُضْطَهَدِينَ بِقَدْرِ مَا نَدْعُو لِأَنْفُسِنَا وَذَوَاتِنَا. وَلْنَحْرِصْ وَلْنَجْتَهِدْ مِنْ أَجْلِ نَيْلِ دُعَاءِ الْوَالِدَيْنِ وَالْمَرْضَى وَكِبَارِ السِّنِّ وَأَصْحَابِ الْحَوَائِجِ.
وَإِنَّنِي أَوَدُّ أَنْ أُنْهِي خُطْبَتِي بِدُعَاءٍ لِلنَّبِيِّ صَلَّي اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذْ يَقُولُ:اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الهُدَى، وَالتُّقَى، وَالعَفَافَ، والغِنَى[iii]

[i] سُنَنُ أَبِي دَاوُد، كِتَابُ الْوِتْرِ، 26.
[ii] سُنَنُ أَبِي دَاوُد، كِتَابُ الْوِتْرِ، 23.
[iii] صَحِيحُ مُسْلِم، كِتَابُ الذِّكْرِ، 72.


” اَلْأَدْعِيَةُ مِنْ لِسَانِ نَبِيِّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ “خطبة الجمعة مسجد طوكيو.(PDF)