“خطبة الجمعة مسجد طوكيو ”قَضَاءُ الْعُمْرِ فِي التَّفَكُّرِ

أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ الْأَعِزَّاءُ !
إِنَّنَا وَإِنْ اِخْتَلَفَتْ أَعْمَارُنَا فَإِنَّنَا جَمِيعاً نَمْتَلِكُ عُمْراً مِنْ أَيَّامٍ مَحْسُوبَةٍ وَمَعْدُودَةٍ. وَلَا شَكَّ أَنَّنَا سَوْفَ نَقُومُ بِتَسْلِيمِ أَمَانَةِ الرُّوحِ وَنُهَاجِرُ مِنْ هَذِهِ الدُّنْيَا فِي لَحْظَةٍ مُعَيَّنَةٍ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ، “فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً ۖ وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ” وَعِنْدَمَا نَكُونُ فِي طَرِيقِنَا إِلَى سَاحَةِ الْحَشْرِ مِنْ أَجْلِ الْحِسَابِ، لَنْ يَكُونَ مَعَنَا زَادا غَيْرَ إِيمَانِنَا وَأَعْمَالِنَا الصَّالِحَةِ.فَيَا لَسَعَادَتنَا إِذَا مَا كُنَّا قَدْ أَدْرَكْنَا قِيْمَةَ الْوَقْتِ وَمَعْنَى الْحَيَاةِ وَأَهَمِّيَّةَ الشَّبَابِ وَأَدْرَكْنَا كَذَلِكَ الشُّكْرَ عَلَى نِعْمَةِ الْقُوتِ وَالزَّادِ وَعَلَى صِحَّةِ أَنْفَاسِنَا! أَمَّا إِذَا مَا كُنَّا قَدْ أَضَعْنَا أَيَّامَنَا هَبَاءً وَأَنْفَقْنَا أَمْوَالَنَا إِسْرَافاً وَتَبْذِيراً وَسَمَّمْنَا عُقُولَنَا وَأَبْدَانَنَا وَأَحْزَنَّا أَحْبَابَنَا وَقَصَّرْنَا فِي أَدَاءِ عِبَادَاتِنَا، فَيَا لَتَعَاسَتِنَا وَشَقَائِنَا!
وَفِي هَذِهِ الْأَيَّامِ الَّتِي نَأْتِي فِيهَا إِلَى نِهَايَةِ عَامٍ مِيلَادِيٍّ آخَر، ها قَدْ نَقَصَ مِنْ أَعْمَارِنَا سَنَةً أُخْرَى بِأَكْمَلِهَا وَاقْتَرَبْنَا مِنْ الْمَوْتِ خُطْوَةً أُخْرَى كَذَلِكَ. إِذاً فَهُوَ وَقْتُ التَّأَمُّلِ وَالتَّفَكُّرِ! تَعَالَوْا لِنَتَفَكَّرْ وَنَتَأَمَّلْ مَعاً وَسَوِيّاً فِيمَا عِشْنَاهُ خِلَالَ السَّنَةِ الَّتِي تَرَكْنَاهَا خَلْفَنَا، وَفِي أَيٍّ مِنْ أَبْوَابِ الْبَرَكَةِ الْمَعْنَوِيَّةِ وَالاِمْتِحَانَاتِ الإِلَهِيَّةِ مَرَرْنَا.

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ الْأَفَاضِلُ!
هَلْ تَمَسَّكْنَا بِقُوَّةٍ أَكْثَرَ وَأَكْبَرَ بِصَلَوَاتِنَا الَّتِي قَالَ عَنْهَا رَسُولُنَا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ “وَجُعِلَتْ قُرَّةُ عَيْنِي فِي الصَّلاَةِ[i]؟ وَهَلْ تَرَكْنَا وَابْتَعَدْنَا عَنْ الْخَطَايَا وَالْآثَامِ بَعْدَ أَنْ تُبْنَا مِنْهَا وَنَدِمْنَا عَلَيْهَا؟ هَلْ اِسْتَطَعْنَا أَنْ نَكُونَ دَوَاءً لِهُمُومِ الْمَظْلُومِينَ وَالْمُحْتَاجِينَ طِوَالَ الْعَامِ؟ وَهَلْ اِسْتَطَعْنَا أَنْ نُدَاوِمَ عَلَى الْعَيْشِ مَعَ الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ؟ وَهَلْ اِسْتَطَعْنَا أَنْ نُحَافِظَ عَلَى شُعُورِ التَّصَدُّقِ وَالْإِنْفَاقِ وَوَعْيِنَا بِهِمَا طِوَالَ الْعَامِ؟ وَهَلْ اِسْتَطَعْنَا أَنْ نَكُونَ سُعَدَاءَ فَرِحِينَ بِالتَّقَاسُمِ وَالتَّشَارُكِ والتعاون ؟

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ الْأَفَاضِلُ!
لَا شَكَّ أَنَّ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا هِيَ طَرِيقُ الْعُبُورِ إِلَى الْآخِرَةِ، وَأَنَّ الْإِنْسَانَ هُوَ مُسَافِرٌ مُحَمَّلٌ بِالْمَسْؤُولِيَّةِ، أَمَّا الْعُمْرُ فَهُوَ رِحْلَةٌ شَاقَّةٌ وَمُتْعِبَةٌ وَلَكِنَّهُ ذُو قِيمَةٌ. علينا أَنْ لا نَنْسَى أَنَّ هَدَفَنَا النِّهَائِيَّ وَغَايَتَنَاُ الْأَخِيرَةُ هِيَ الْجَنَّةُ. وَلْنُدْرِكْ قِيمَةَ أَعْمَارِنَا وَقِيمَةَ مَا بِأَيْدِينَا مِنْ آلَاءٍ وَالنِعَمٍ. وَلْنَقْضِ كُلَّ يَوْمٍ مِنْ أَيَّامِنَا بِالْأَعْمَالِ الْمُفُيدَةِ الَّتِي تُرْضِي وَجْهَ ربنا عَزَّ وَجَلَّ.

[i] سُنَنُ النَّسَائِيُّ، كِتَابُ عِشْرَةِ النِّسَاءِ، 1.


“خطبة الجمعة مسجد طوكيو ”قَضَاءُ الْعُمْرِ فِي التَّفَكُّرِ.(PDF)