”خطبة الجمعة مسجد طوكيو ” ألْعَبْدُ الشَّكُورُ

بارَكَ اللهُ لَكُمْ في جُمُعَتِكُمْ إخْوانِيَ الأعِزّاءُ!

كانَ رَسولُ اللهِ (ص) يَقومُ شَطْراً طَويلاً مِنَ اللّيْلِ، وَيَعُبُدُ اللهَ تَعالى وَيَدْعوهُ خاشِعاً مُتَضَرِّعاً باكِياً. وعِنْدَما رَأَتْهُ أُمُّ المُؤْمِنينَ عائِشَةُ (رض) في هَذِهِ الحالَةِ سَأَلَتْهُ: “لِمَ تَصْنَعُ هَذا يا رَسولَ اللهِ وَقَدْ غَفَرَ اللهُ لَكَ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وما تَأَخَّرَ”. فَأَجابَ إجابَةً مُفْعَمَةً بِالمَعاني والعِبَرِ الجَليلَةِ: “يَا عَائِشَةُ، أَفَلَا أَكُونُ عَبْداً شَكُوراً[i].

إخوانِيَ الأفاضِلُ!

إنَّ الشُّكْرَ لا يَكونُ بِاللّسانِ فَقَطْ فَنَقولُ: “الحَمْدُ للهِ أو اللَّهُمَّ لَكَ الشُّكْرُ”. بل الشُّكْرُ الحَقيقِيُّ يَعْني أَنْ نُستخدمَ كُلَّ نِعْمَةٍ في ما يُرْضِي اللهَ تَعالى. فَالتَّنَفُّسُ لَهُ شُكْرٌ خاصٌّ بِهِ، والحَياةُ لَها شُكْرٌ خاصٌّ بِها وَالعَقْلُ لَهُ شُكْرٌ خاصٌّ بِهِ، والصِّحَةُ نِعْمَةٌ لَها شُكْرُها الخاصُّ، وجَميعُ الإمْكاناتِ والنعم لَها شُكْرُها الخاصُّ بِها. فالشُّكْرُ على أنْ خَلَقَنا اللهُ تَعالى مُكْرَمينَ يَكونُ بِالإيمانِ. والشُّكْرُ عَلى نِعْمَةِ القَلْبِ يَكونُ بِالْإِبْتِعادِ عَنْ مَشاعِرِ الحِقْدِ والبُغْضِ والكَراهِيَةِ. والشُّكْرُ على نِعْمَةِ العَقْلِ يَكونُ بِالتّأَمُّلِ في عَظَمَةِ اللهِ تَعالى. والشُّكْرُ على نِعْمَةِ اللِّسانِ يَكونُ بِذِكْرِ اللهِ تَعالى. والشُّكْرُ على نِعْمَةِ الأبْدانِ يَكونُ بِالعَيْشِ بِما يُرْضِي اللهَ تَعالى وَأَداءِ العِباداتِ. والشُّكْرُ على الأمْوالِ التي نَمْلِكُها يَكونُ بِالصَّدَقَةِ والزَّكاةِ والإنْفاقِ على المُحْتاجينَ. والشُّكْرُ على نِعْمَةِ العِلْمِ يَكونُ بِتَنْشِئَةِ الطُّلابِ وتعليم الأخرين وَتَرْكِ أعْمالٍ خالِدَةٍ تُفيدُ الإنْسانِيَّةَ.

أيُّها المُؤْمِنونَ الأعِزّاءُ!

كُلُّ واحِدٍ فينا يَشْعُرُ بِالحاجَةِ إلى أنْ يَشْكُرَ مَنْ يَعْمَلُ لَنا مَعروفاً صَغيراً. فَهَلْ يُعْقَلُ أنْ لا نَشْكُرَ رَبَّنا الذي أَكْرَمَنا بِكُلِّ هَذِهِ النِّعَمِ؟ وَهَلْ يَتَوافَقُ تَجاهُلُ هَذِهِ النِّعَمِ مَعَ وَعْيِ العُبودِيَّةِ وأخْلاقِ المُؤْمِنِ؟ بِالتّأكيدِ لا. فإنْ كانَ الأمْرُ كَذَلِكَ فَتَعالَوْا يا إخْواني: لا نَحْرِمْ عُقولَنا وقُلوبَنا وأبْدانَنا وألْسِنَتَنا مِنْ نِعْمَةِ الشُّكْرِ والذكر. وَلْنُبارِكْ عُمُرَنا بِالشُّكْرِ وَلْنَجْعَلِ من الشُّكْرَ وَسيلَةً لِزِيادَةِ نِعَمِ اللهِ علينا، ولْيُقَرِّبْنا الحَمْدُ مِنْ رَبِّنا وَلْيَكُنْ وسيلَةً يرْفَعُنا اللهُ بِهِ دَرَجاتٍ. قال تعالى “وإِن تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا ۗ إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ “

[i]  مسلم، صفات المنافقين، 81. ابن حبان، صحيح، ج 2، 36.


(PDF)”خطبة الجمعة مسجد طوكيو ” ألْعَبْدُ الشَّكُورُ