” خطبة الجمعة مسجد طوكيو ” لِنَكُنْ عَلَى وَعْيٍ بِالْكَوَارِثِ الطَّبِيعِيَّةِ وَالنَّوَازِلِ

khutba_eyecatch_14.JPG

  أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ الْكِرَام!
إِنَّ نِظَامَ الْكَوْنِ وَعَمَلِهِ يَسِيرُ وِفْقَ الْقَوَانِينِ الْإِلَهِيَّةِ الَّتِي تُسَمَّى “سُننُ الله”. وَإِنَّ اللهَ تَعَالَى قَدْ حَدَّدَ هَذِهِ الْقَوَانِينَ بِعِلْمِهِ وَقُدْرَتِهِ الَّتِي لَا حُدُودَ لَهَا.
وَلَا شَكَّ أَنَّ الزَّلَازِلَ والكوارثَ تَحْدُثُ وِفْقَ الْقَوَاعِدِ الْإِلَهِيَّةِ الرَّبَّانِيَّةِ. وَإِنَّ الْإِنْسَانَ لَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَمْنَعَ الزَّلَازِلَ؛ وَلَا أَنْ يُحَدِّدَ وَقْتَ حُدُوثِهَا وَمَدَى قُوَّتِهَا وَشِدَّتِهَا. وَلَكِنْ يُمْكِنُهُ أَنْ يَتَّخِذَ التَّدَابِيرَ الْمُخْتَلِفَةَ كَيْ لَا يَتَعَرَّضَ لِلْأَضْرَارِ عِنْدَ وُقُوعِها. وَذَلِكَ لِأَنَّ النُّزُولَ بِالْخَسَائِرِ فِي الْأَرْوَاحِ وَالْأَمْوَالِ إِلَى أَقَلِّ حَدٍّ عِنْدَ حُدُوثِ الْكَوَارِثِ الطَّبِيعِيَّةِ مِنْ زَلَازِلٍ وَفَيَضَانَاتٍ وَحَرَائِقَ وَغَيْرِهَا لَا يَكُونُ مُمْكِناً إِلَّا مِنْ خِلَالِ اِتِّخَاذِ التَّدَابِيرِ اللَّازِمَةِ وَالْمَطْلُوبَةِ.

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ الْأَفَاضِل!
إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ فِي كِتَابِهِ الْكَرِيمِ: وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْاَمْوَالِ وَالْاَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِۜ وَبَشِّرِ الصَّابِر۪ينَۙ “[i] فَالْمُؤْمِنُ يَعِيشُ فِي دُنْيَا الْاِمْتِحَانِ هَذِهِ وَهُوَ يَعْلَمُ وَيُدْرِكُ أَنَّهُ سَوْفَ يَتَعَرَّضُ لِابْتِلَاءَاتٍ مُخْتَلِفَةٍ. ويَعِي أَنَّهُ مَخْلُوقٌ يَتَّسِمُ بِمَحْدُودِيَّةِ الْقُدْرَةِ وَبِالْعَجْزِ وَأَنَّهُ بِصِفَتِهِ عَبْداً يَحْتَاجُ إِلَى رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ. كَمَا عليه أن يَقِفُ فِي وَجْهِ الْمَصَائِبِ وَالْاِبْتِلَاءَاتِ بِقَدْرِ اِسْتِطَاعَتِهِ وبما تَسْمَحُ بِهِ طَاقَتُهُ. وعليه َأن يَتَّخِذُ التَّدَابِيرَ وَالْاِحْتِيَاطَاتِ مِنْ خِلَالِ اِسْتِخْدَامِهِ لِعَقْلِهِ وَعِلْمِهِ وَإِعْمَالِ تَجَارُبِهِ. وَبَعْدَ كُلِّ هَذَا يَسِيرُ بِالتَّسْلِيمِ وَالتَّوَكُّلِ وِفْقَ مَا يَقْتَضِيهِ إِيمَانُهُ وَما يُوجِبُ عَلَيْهِ. قالَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم” عَجَبًا لِأَمْرِ الْمُؤْمِنِ إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ وَلَيْسَ ذَاكَ لِأَحَدٍ إِلاَّ لِلْمُؤْمِنِ إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ [ii]

أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ الْأَعِزَّاء!
لَا شَكَّ أَنَّ الْوَعْيَ بِالْمَسْؤُولِيَّةِ تُجَاهَ الْكَوَارِثِ وَالنَّوَازِلِ هُوَ مَا تَقْتَضِيهِ النَّظْرَةُ الْإِيمَانِيَّةُ وَتَسْتَوْجِبُهُ. فالتَّقْدِيرَ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، أَمَّا مَا يَقَعُ عَلَى عَاتِقِنَا فَهُوَ اِتِّخَاذُ التَّدَابِيرِ وَمِنْ ثَمَّ التَّوَكُّلُ عَلَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ.
 وَلْنَكُنْ عَلَى جُهُوزِيَّةٍ وَاِسْتِعْدَادٍ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِالْكَوَارِثِ وَالنَّوَازِلِ مِنْ أَجْلِ حَيَاةٍ أَكْثَرَ أَمْناً. وَلْنَتَّخِذْ خُطُوَاتٍ صَحِيحَةً وَسَلِيمَةً تَتَنَاسَبُ مَعَ تَوَازُنِ الطَّبِيعَةِ وَمَعَ حَقِيقَةِ الْمَنْطِقَةِ الَّتِي نَعِيشُ فِيهَا. وَلْنَعْمَلْ عَلَى تَوْعِيَةِ أُسَرِنَا وَتَثْقِيفِهَا فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِالْكَوَارِثِ وَالْحَالَاتِ الطَّارِئَةِ وَالْعَاجِلَةِ.

[i] سورة البقرة، الآية: 155.
[ii] صحيح مسلم، كتاب الزهد، 64.


” خطبة الجمعة مسجد طوكيو ” لِنَكُنْ عَلَى وَعْيٍ بِالْكَوَارِثِ الطَّبِيعِيَّةِ وَالنَّوَازِلِ.(PDF)