“خطبة الجمعة مسجد طوكيو ”عَظَمَةُ الْإِنْسَانِ فِي تَوَاضُعِهِ

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ عباد الله !

إِنَّنَا نَحْنُ الْمُؤْمِنُونَ قَدْ تَعَلَّمْنَا التَّوَاضُعَ مِنْ رَسُولِنَا الْأَكْرَمِ صَلَّي اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَقَدْ عَاشَ صَلَّي اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَيَاةً تَتَّسِمُ بِالْبَسَاطَةِ.[i]وَكَانَ يُجِلُّ وَيُقَدِّرُ الإِنْسَانَ لِأَنَّهُ إِنْسَانٌ. كَمَا وَأَخْبَرَ صَلَّي اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ التَّوَاضُعَ هُوَ صِفَةٌ مِنْ صِفَاتِ أَهْلِ الْجَنَّةِ.[ii] وَقَدْ ذَكَّرَنَا كَذَلِكَ بِأَنَّ احْتِقَارَ الْمُسْلِمِ لِأَخِيهِ الْمُسْلِمِ هُوَ إِثْمٌ كَافٍ بِذَاتِهِ.[iii] كَمَا أَنَّ رَسُولَنَا الْأَكْرَمَ صَلَّي اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخْبَرَنَا بِأَنَّ التَّوَاضُعَ هُوَ صِفَةٌ مِنْ شَأْنِهَا أَنْ تُجِلَّ وَتُعْظِمَ قَدْرَ صَاحِبِهَا عِنْدَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ إِذْ يَقُولُ فِي الْحَدِيثِ الشَّرِيفِ: “… وَمَا زَادَ اللَّهُ عَبْدًا بِعَفْوٍ إِلَّا عِزًّا، وَمَا تَوَاضَعَ أَحَدٌ لِلَّهِ إِلَّا رَفَعَهُ اللَّهُ.”[iv]

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ الْأَعِزَّاء!

إِنَّ غَايَةَ الإِسْلَامِ تَكْمُنُ فِي زَرْعِ التَّوَاضُعِ فِي نَفْسِ الْإِنْسَانِ مِنْ جَانِبٍ وَإِبْعَادِهِ قَدْرَ الْاِمْكَانِ عَنْ الْكِبْرِ وَالاِسْتِعْلَاءِ مِنْ جَانِبٍ آخَرٍ. لِأَنَّ الْكِبْرَ كَمَا عَبَّرَ عَنْهُ النَّبِيُّ صَلَّي اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَوْلِهِ “الْكِبْرُ بَطَرُ الْحَقِّ وَغَمْطُ النَّاسِ.”[v]

إِنَّ الشَّخْصَ الْمُتَكَبِّرَ يَظُنُّ أَنَّ الدُّنْيَا مَا خُلِقَتْ إِلَّا مِنْ أَجْلِهِ وَحْدَهُ. فَيَشِيحُ بِوَجْهِهِ عَنْ النَّاسِ مُحْتَقِراً لَهُمْ. بَيْدَ أَنَّ الْمُؤْمِنَ يَجِبُ أَلَّا يَحْتَقِرَ أَيَّ أَحَدٍ مَهْمَا كَانَتْ الْأَسْبَابُ. وَقَدْ حَذَّرَنَا رَسُولُنَا الْأَكْرَمُ صَلَّي اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيْمَا يَتَعَلَّقُ بِهَذَا الْأَمْرِ بِقَوْلِهِ: “إِنَّ اللَّهَ تعالى أَوْحَى إِلَيَّ أَنْ تَوَاضَعُوا، حَتَّى لَا يَبْغِيَ أَحَدٌ عَلَى أَحَدٍ، ولَا يَفْخَرَ أَحَدٌ عَلَى أَحَدٍ.”[vi]

أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ الْكِرَام!

لِنَعْمَلْ عَلَى أَنْ نَمْلَأَ جَمِيعَ نَوَاحِي حَيَاتِنَا بِالتَّوَاضُعِ. وَلْنَحْرِصْ عَلَى أَلَّا نَجْرَحَ أَحَداً أَوْ نُؤْذِيَهُ. وَلْنَحْرِصْ أَيْضاً عَلَى أَلَّا نَنْخَدِعَ بِمَلَذَّاتِ هَذِهِ الدُّنْيَا الْفَانِيَةِ فَنُحْزِنَ بَعْضَنَا الْبَعْضَ. وَلْنَبْتَعِدْ عَنْ الْكِبْرِ وَالْغُرُورِ وَالتَّبَاهِي الَّذِي مِنْ شَأْنِهِ أَنْ يُحَوِّلَ دُنْيَانَا إِلَى سِجْنٍ وَآخِرَتَنَا إِلَى جَحِيمٍ. وَلْنَحْرِصْ كَذَلِكَ عَلَى أَلَّا نَحْتَقِرَ النَّاسَ وَنَتَجَهَّمَ فِي وُجُوهِهِمْ. وَلَا نَمْشِي فِي الْأَرْضِ مَرَحاً بِكِبْرٍ وَاِسْتِعْلَاءٍ. لقوله  تعالى: ]وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا ۖ إِنَّكَ لَن تَخْرِقَ الْأَرْضَ وَلَن تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولًا[وَلَا نَنْسَى أَنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ.

[i] صَحِيحُ مُسْلِم، كِتَابُ الزُّهْدِ، 33.

[ii][ii] صَحِيحُ الْبُخَارِيُّ، كِتَابُ الْأَدَبْ، 61.

[iii] صَحِيحُ مُسْلِمْ، كِتَابُ الْبِرِّ، 32.

[iv] صَحِيحُ مُسْلِمْ، كِتَابُ الْبِرّ، 69.

[v] صَحِيحُ مُسْلِمْ، كِتَابُ الْإِيمَانْ، 147.

[vi] صَحِيحُ مُسْلِمْ، كِتَابُ الْجَنَّة، 64.


“خطبة الجمعة مسجد طوكيو ”عَظَمَةُ الْإِنْسَانِ فِي تَوَاضُعِهِ (pdf)