. خطبة الجمعة مسجد طوكيو – حُبُّ الدُّنْيَا: هُوَ التَّعَلُّقُ بِمَتَاعِهَا الزَّائِلِ

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ الْكِرَام!
يقول )ص( أبْشِرُوا وَأَمِّلُوا مَا يَسُرُّكُمْ ، فَوَاللَّهِ مَا الْفَقْرَ أَخْشَى عَلَيْكُمْ ، وَلَكِنِّى أَخْشَى أَنْ تُبْسَطَ عَلَيْكُمُ الدُّنْيَا كَمَا بُسِطَتْ عَلَى مَنْ قَبْلَكُمْ ، فَتَنَافَسُوهَا كَمَا تَنَافَسُوهَا ، وَتُهْلِكَكُمْ كَمَا أَهْلَكَتْهم[i]

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ الْكِرَام!
لَا شَكَّ أَنَّ حُبَّ الدُّنْيَا يَعُودُ عَلَيْنَا بِمَضَارٍّ كَثِيرَةٍ وَفِي مُقَدِّمَتِهَا الاِسْتِهْلَاكُ وَالإِسْرَافُ بِلَا وَعْيٍ. فَبَيْنَمَا يَتَضَوَّرُ النَّاسُ جُوعاً فِي بَعْضِ مَنَاطِقِ الْعَالَمِ مُحْتَاجِينَ وَلَوْ لِلُقْمَةٍ يَقْتَاتُونَهَا، نَرَى الإِسْرَافَ وَالتَّبْذِيرَ قَدْ خَرَجَ عَنْ حُدُودِهِ فِي مَنَاطِقَ أُخْرَى مِنْ هَذَا الْعَالَمِ. وَمِنْ الْمُؤْسِفِ أَنَّ الْإِنْسَانَ الْيَوْمَ قَدْ أَصْبَحَ يَبْحَثُ عَنْ السَّعَادَةِ فِي التَّبْذِيرِ وَالاِسْتِهْلَاكِ. وَأَصْبَحَ يَظُنُّ أَنَّهُ سَيَكُونُ سَعِيداً إِذَا مَا أَنْفَقَ عَلَى الْغَالِي وَالثَّمِينِ وَأَكْثَرَ مِنْ الاِسْتِهْلَاكِ والإِسْرَافِ. بَيْدَ أَنَّ كَثْرَةَ الاِسْتِهْلَاكِ وَعَدَمَ تَوَازُنِهِ مِنْ شَأْنِهِ أَنْ يَذْهَبَ بِقِيَمِنَا الْإِنْسَانِيَّةِ وَالْأَخْلَاقِيَّةِ وَيُفْنِيهَا. نرى الْكَثِيرَ وَالْعَدِيدَ مِنْ الْأَشْخَاصِ اليوم يَتَخَبَّطُونَ فِي وَحْلِ الدُّيُونِ وَالْفَوَائِدِ الْرِّبَوِيَّةِ بِسَبَبِ الِإسْرَافِ الْمَبْنِيِّ عَلَى عَدَمِ الْوَعْيِ . وَكَمْ مِنْ عَائِلَةٍ وَأُسْرَةٍ تَعِيشُ حَالَةً مِنْ عَدَمِ الاِسْتِقْرَارِ وَالْعَجْزِ لِلسَّبَبِ ذَاتِهِ. رَغْمَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَبْلَ قُرُونٍ عَدِيدَةٍ حَذَّرَ الإِنْسَانِيَّةَ مِنْ ذَلِكَ فَقَالَ: “يَقُولُ ابْنُ آدَمَ: مَالِى، مَالِى قَالَ: وَهَلْ لَكَ، يَا ابْنَ آدَمَ مِنْ مَالِكَ إِلاَّ مَا أَكَلْتَ فَأَفْنَيْتَ، أَوْ لَبِسْتَ فَأَبْلَيْتَ، أَوْ تَصَدَّقْتَ فَأَمْضَيْتَ”[ii]

أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ الْأَفَاضِل!
إِنَّ السَّبِيلَ لِتَحْوِيلِ الإِسْرَافِ إِلَى تَوْفِيرٍ وَالطَّمَعِ إِلَى قَنَاعَةٍ وَالْقَلَقِ إِلَى تَوَكُّلٍ وَالْوَفْرَةِ إِلَى بَرَكَةٍ يَكُونُ مِنْ خِلَالِ خَلْقِ التَّوَازُنِ بَيْنَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ. كَمَا وَيَكُونُ بِإِقَامَةِ الاِسْتِثْمَارِ لِكُلٍ مِنْ الدَّارَيْنِ بِالْقَدْرِ الَّذِي تَسْتَوْجِبُهُ كُلٌ مِنْهُمَا. لِذَا يَجِبُ عَلَيْنَا أَنْ لَا نَنْسَى أَنَّ حَيَاتَنَا الدُّنْيَا تَمُرُّ سَرِيعاً كَطَرْفَةٍ عَيْنٍ. لذا فَلْنَعْمَلْ وَلْنَسْتَعِدْ مِنْ أَجْلِ حَيَاتِنَا الْآخِرَةِ الْبَاقِيَةِ. وَلْنَحْرِصْ عَلَى أَنْ نَبْتَعِدَ عَنْ الْمَظَاهِرِ وَأَنْ نَكُونَ مُتَوَاضِعِينَ وَبُسَطَاءَ فِي كُلِّ عَمَلٍ وَتَصَرُّفٍ نقوم به .وَأَوَدُّ أَنْ أُنْهِي خُطْبَتِي بِهَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ حَيْثُ يَقُولُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ فِيهَا: “يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ”

[i] صَحِيحُ الْبُخَارِيُّ، كِتَابُ الْمَغَازِي، 12؛ صَحِيحُ مُسْلِم، كِتَابُ الزُّهْدِ، 6.
[ii] صَحِيحُ مُسْلِم، كِتَابُ الزُّهْدِ، 3.


خطبة الجمعة مسجد طوكيو – حُبُّ الدُّنْيَا: هُوَ التَّعَلُّقُ بِمَتَاعِهَا الزَّائِلِ.(PDF)